كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم بين الله أن رؤية الملك مستحيلة على البشر، فإن أبصار الناس ترى أجساما معينة على مسافات معينة ومن هنا فهى لا ترى الجن ولا الملائكة. وعندما يتشكل هؤلاء وأولئك في صور مادية فسوف تبقى الريبة لدى رؤيتهم. ولذلك قال: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}!. على أن مشركى العرب قاوموا الإسلام، وكذبوا رسوله، وسخروا منه، ولم يتحركوا عن موقفهم، فكانت وصاة الله لنبيه أن يصبر، ويبقى على منهجه في الدعوة يحاول تحريك العقول الجامدة. {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}. ولكن النبي عليه الصلاة والسلام خامره الحزن وأثر فيه! إن الرجل الشريف يؤلمه التكذيب والاستهزاء، وطالما تاق إلى تدخل سماوى يحسم الموقف!! وهنا يقول الله له: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} إن جريمتهم في جنب من أرسلك أكبر من تكذيبهم لك، إن محاربتهم لك ترجمة لمحاربتهم لربك وجحدهم لآياته، فاصبر على ما يقولون {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين}. ولكن نفس النبي تتوق إلى خارق يخرس ألسنتهم فكان الرد الأعلى {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية}... أي فافعل، ولن تستطيع فإن الأمر بيد الله الذي يملك مقادير الأمم، وإليه يرجع الأمر كله، {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين}. أحسب أشد الناس حمقا من يرتاب في أن القرآن من السماء، وأنه نزل على محمد ولا دخل لمحمد فيه. إن الله يحكم عباده بسنن ثابتة لا يغيرها أحد، أنبياؤه مبتلون بأعباء الدعوة، ومعاناة الجماهير التائهة، ومحاربة الأعراف والتقاليد السيئة. وللجماهير في غياب الحرية العقلية أمد محدود عند الله تسرح فيه وتمرح حتى إذا استوفت الأجل الذي كان من الممكن أن تعقل فيه قال القدر كلمته!!
وقد أفهم الله نبيه أن آفة هؤلاء من عقولهم التي جعلتهم ينادون من مكان بعيد، إنهم صخم عن سماع الحق {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون} ويعود القوم إلى طلبهم الأول {وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون}. وأنا أعجب: إذا كان النظام الكونى لايدل على الله فهل خرق هذا النظام أحيانا هو الذي يدذ على الله؟. إن القمر يدور حول الأرض من دهور خلت، لايتباطأ ولا يغؤفي. فهل هذا الاطراد لايشهد للخالق القدير، ويشهد له انشقاق القمر بضع دقائق؟. هل السراج الوهاج الذي لايخبو ؤقحه على اختلاف الليل والنهار لايدل على الله العظيم؟ ويدل عليه تأخر الغروب بضع دقائق ليوشع غلا! موسى؟. إننى أشهد عالم الحيوان والإنسان والحشراث الزاحفة والطائرة فأدهش ل! تن الله في حياتها وبقائها وضمان الرزق لما دق وجل منها. ولعل مانذكر هو السر في سوق هذه الاية لمن يطلبون خوارق العادات من صاحب الرسالة العظمى، أعنى قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم مافرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}. ولقد استوقفنى منظر العصفورة الأم. وهى تطوف بين الحقول ثم ترجع بالغذاء في جوفها، ثم تفتح منقار وليدها في الدشر لتطعمه وتسقيه!! صنع الله الذي أتقن كل شيء ومع ذلك يجهل المشركون الله الواحد، ويعكفون على حجر أصم، ويقولون لمحمد: هات لنا خارقا من خوارق العادات حتى نؤمن بك {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} والغريب أنهم يحلفون أنهم سوف يؤمنون عندما يجيء هذا الخارق المطلوب {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون}. هيهات! إن الأعمى لا يبصر مادام مصمما على إغلاق أجفانه.
ويذهب الخلل بالنفس الوثنية بعيدا عندما تطلب من النبي أن يطرد من حوله الضعفاء الذين آمنوا به حتى يخلو المجلس لهم وحدهم!. ولكن الله يقول لنبيه: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه...} بل يأمره أن يسوق البشرى إلى هؤلاء المؤمنين بأن الله معهم بمغفرته ورضاه. {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}. ويمضى الرسول الكريم على خطه القويم يدعو إلى الله على بصيرة ويشرح المقررات العلمية التي أوحيت إليه. ويرد- بالإرشاد الإلهى- الشبهات التي قد تثار حوله، وإن المرء ليشعر بالرقة والأسى، لهذا النبي الصبور الجلد وهو يواجه المشركين المتعنتين بهذا الخطاب. {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين...}. تدبر هذه المناشدة الجليلة، إنه يريد من وضوح الإيمان في نفسه أن يسكب في قلوبهم إيمانا يهديهم إلى الصراط المستقيم بيد أن القوم يتعجلون العقاب. {قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين}. وهكذا بالتلقين الهادى والتعليم المستمر يؤدى صاحب الرسالة رسالته! بعد تلاوة متأنية لسورة الأنعام، ومتابعة آيات التقرير والتلقين وهى تعرض أمجاد الألوهية وتقمع الشبهات البشرية تساءلت: ماذا تفعل الخوارق في الدلالة على الله أكثر من ذلك؟. بل قلت: إن الخوارق الواقعة والمقترحة لو وضعت في كفة، ووضعت هذه السورة في الكفة الأخرى، لكانت في الدلالة على الله أرجح، وفى بيانها عن عظمة الله أفصح.
واقرأ بتأمل هذه الآية: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} إن الغيوب بالنسبة إلينا عماء، وهى عند رب العالمين رؤية شهود. وأغلب الموجودات بالنسبة إلينا غيوب محجوبة! إنك قد ترى إنسانا وتحادثه، ماذا تعلم عنه؟ قد ترى وجهه وملابسه ولكنك لا ترى أفكاره وأحشاءه. أما رب العالمين فهو يراه ظاهرا وباطنا على سواء، وهو في الوقت نفسه يرى خمسة مليارات من البشر معه رؤية شمول! بل إن هذه الرؤية الموقوتة! جزء ضئيل من رؤيته الإنسان في أطوار حياته كلها بين المهد واللحد {إنه بكل شيء بصير}. مفاتيح الغيوب كلها عنده، وكما يعلم البشر على هذا النحو المحيط يعلم ما في البر والبحر! كنت أرمق التلفاز في بيتي فرأيت منظرا في أحد المحيطات، والموج ثائر يلعب بباخرة جبارة يكاد يوردها الأعماق. قلت: إن الله هنا وهناك يسمع ويرى! يسمع ويرى فقط؟ بل يصنع ويدبر ويحيى ويميت! كل ما في البر والبحر طوع مشيئته. ومضيت مع الآية الوصافة لأمجاد الله! من مع الحبة في ظلمة التراب يخلق منها الزروع والثمار، ويطعمنا الجنى الطيب؟. من مع كل شجرة نابتة في أقطار الأرض يعلم عدد ما يسقط منها من ورق {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} إنه ليس علما نظريا فقط، إنه مسطور في كتبه {وكل صغير وكبير مستطر} وبعد هذا الإحصاء الكشاف يجئ عرض للحياة الإنسانية على ظهر الأرض، وأعمال الناس كلهم بين شقئ وسعيد {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى} إننا نستغرق في النوم بعد كدح النهار، وأرواحنا على الحالين بيده يأخذها ثم يردها حتى نستوفى الأجل المكتوب لنا في هذه الدنيا.
فإذا استوفيناه أخذ أرواحنا فلم يردها ثانية، لقد حان وقت الجزاء على ما قدمنا {ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون} واقرأ بعد ذلك آية من آيات الجلال، تعقبها آية من آيات الجمال. أما الأولى فقوله: {وهو القاهر فوق عباده} إننا مسيرون في أغلب ما نعانى ونسعى. لا خيرة لنا في مكان الميلاد ولا زمانه. لا خيرة لنا في قيمة المواهب التي نزود بها ولا خط الحياة التي نسلكها! حتى الأنبياء فيهم شموس، وفيهم أقمار متفاوتة الأحجام. بيد أن كل امرئ محاسب على قدر ما أوتى، مُساءل في حدود وضعه {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}. أما آية الجمال التي تعقب هذا السرد المخوف الحاسم فهى {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون} إن الأسلوب القرآنى يقلب بين الرغبة والرهبة والخوف والرجاء حتى لا نطيش أو نطغى. ليت شعرى: ماذا أستفيد من خارق للعادة يقلب الحجر ذهبا!! ماذا يضئ عقلى ويرفع مستواى؟. إن هذه المعجزة القرآنية أجدى وأهدى... ومن أجل ذلك كلف المسلمون باحتقار المجالس اللاغية ضد القرآن الكريم، وعدم الاكتراث لما يدور فيها، وهجرها وهجر أصحابها {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين...} وتكرر الأمر بهذا الهجر في قوله تعالى بعد ذلك {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا...} إنه يتركهم بعد أن تم تبليغهم. ولا يزال هذا التبليغ قائما، فالإعراض عنهم ترقع عن المشاركة في اللغو، والخوض في العبث. وهؤلاء المغرورون الجهال سوف يستيقظون على الدواهى التي تصيبهم بما يصنعون..
وهنا يجئ تلقين آخر للرسول الكريم، فيه توبيخ للمشركين مقرون بالأسى على مستقبلهم الضائع برغم النصائح الحارة. {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا...}. انظر صدق العاطفة في تصوير موقف أولئك الحائرين البائسين وجهد الرسول وصحبه في هدايتهم، وعنادهم القاتل بعد الإخلاص المبذول في استنقاذهم... {قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين} ويترك القرآن الكريم هذا الحاضر المعقد، ويعود بالناس قرونا إلى الوراء، فيذكر قصة إبراهيم مع عباد الكواكب، وكيف حاول اقتيادهم إلى الله الواحد! لقد ترخص في مخاطبتهم وتنزل إلى عقولهم، فنظر إلى نجم ساطع- لعله المشترى أو الزهرة- ثم قال: هذا ربى كما تقولون، لكنه غاب بعد ظهور! ثم نظر إلى القمر قائلا: هذا ربى كما تزعمون! لكنه أيضا اختفى. ثم نظر إلى الشمس قائلا: هذا ربى- في زعمكم- هذا أكبر، لكن الشمس غربت وأظلم الكون.. إن الإله لا يغيب عن ملكوته فمن يديره بعده؟؟. إن الأرض التي تسبح بنا في الفضاء لو غاب عنها ربها لحظة لطغى الماء- وهو ثلاثة أرباع مساحتها- على اليابسة فلم يبق حى على ظهرها. إن زمام الوجود بين أصابع القدرة لو اضطرب قليلا لهلكت المشارق والمغارب، بل لغاب كل شيء في ظلمات العدم المحض!! {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}. وليس يتصور في جانب الإله الحق أنه يأفل، أو يختفى لحظة أو لحظات، إنه قيوم تستند ديمومة الوجود إلى وجوده. إنه القائم على كل نفس بما كسبت، إنه قيم السموات والأرض ومن فيهن... إن أسلوب إبراهيم عليه السلام في التعريف بالله الواحد نقله القرآن الكريم إلى عرب الجاهلية مختوما بهذه النتيجة {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}.
فهل يعى ذلك المشركون الذين يخاطبهم خاتم الأنبياء بالمنطق نفسه؟ إنه منطق معقول منصف! وتتفاوت درجات الدعاة إلى الله بمدى براعتهم في التعريف به واقتياد الناس إليه، ولذلك يقول جل شأنه {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم}. جذور الإسلام ضاربة في التاريخ القديم، إن الدين الذي بعث محمد به ليس فكرا جديدا ظهر في العصور الوسيطة، إنه فكر الأنبياء كلهم حول إله واحد يجب أن نعرفه معرفة صحيحة وأن نسمع ونطيع لما يأمر به. والقرآن الكريم يهش لأسماء الأنبياء جميعا، ويؤكد أن أسرتهم الطاهرة ما كانت تدندن إلا حول هذه الحقيقة. الله حق! وهو واحد! وعلينا أن نسلم وجوهنا إليه..!! قبل إبراهيم كان نوح عليه السلام يقول: {وأمرت أن أكون من المسلمين} وفى هذه السورة ذكر الحق جهاد إبراهيم الخليل في تعريف الناس بالله تبارك اسمه، ثم ذكر أسماء سبعة عشر نبيا معه قاموا جميعا بالدعوة إلى الله. {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين}. وقد صدف الله وعده، فإن الجيل الكافر بمكة انقرض وتلاشى وآمن سائر العرب به بعد كفاح لم يطل أمده. ثم دخل النصارى في وادى النيل والشمال الإفريقى وآسيا الصغرى، دخلوا في الإسلام وكانوا قوام الأمة التي تحمل دعوته إلى يوم الناس هذا.
وتوكيدا لأن الإسلام امتداد للماضى وترديد لأصوات النبوات الأولى يقول الله لنبيه: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين} إن أتباع محمد هم الورثة الحقيقيون لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وهم حملة الوحى الصحيح، وهم الذين يخاصمون الشرك والعصيان، ويقومون، ويقيمون الناس معهم على التوحيد والتسليم لرب العالمين. الكفر قديما وحديثا هو الجهل بالله وعصيان أمره. والدين قديما وحديثا هو حسن معرفة الله وإخلاص الطاعة له وذلك ما انفردنا نحن المسلمين الآن به!! وفى الدنيا من ينكر أن لله وحيا، وليس ذاك بمستغرب على من ينكر أن لله وجودا..!! فعل ذلك الوثنيون قديما ويفعله الآن العلمانيون والماديون من مختلف النحل.. ورب العالمين أكرم بعباده من أن يدعهم حيارى لا ينزل عليهم هدى ينير لهم الطريق، أو يرسل إليهم من يأخذ بنواصيهم إلى الخير.. {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء...} والجميل في رد القرآن على هؤلاء أن يتساءل {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس}؟ إن صاحب القرآن لا يذكر نفسه هنا، وإنما يذكر كتاب موسى وما أودع فيه من نور وهدى!! وأى عجب في هذا؟ إن الإسلام كما أوضحنا إيمان بجميع الرسل وجميع الكتب. إنه يمثل الحقيقة من أزل الدنيا إلى أبدها، وعيب أهل الكتاب أنهم ما أنصفوا الوحى النازل عليهم. لقد أضاعوا بعضا وأخفوا بعضا وعصوا بعضا وعاشوا بعد ذلك يصدون عن سبيل الله ويحاربون النبي الخاتم بحقد وضراوة!! لقد جعلوا التوراة قراطيس يبدو منها القليل ويخفى الكثير.. وفى القراءة الشائعة بيننا يقول الله لليهود {قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا} وفى قراءات أخرى تحدث عنهم بضمير الغيبة {يبدونها ويخفون كثيرا} وأيا ما كان الأمر فاليهود المعنيون.